الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
(137)سئل فضيلة الشيخ: هل أشراط الساعة الكبرى تأتي بالترتيب؟ وهل الحيوانات تشعر بعلامات القيامة دون الإنس والجن؟ فأجاب بقوله: أشراط الساعة الكبرى بعضها مرتب ومعلوم ، وبعضها غير مرتب ولا يعلم ترتيبه ، فمما جاء مرتباً نزول عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج، والدجال فإن الدجال يبعث ثم ينزل عيسى ابن مريم فيقتله ثم يخرج مأجوج ومأجوج. وقد رتب السفاريني-رحمه الله- في عقيدته هذه الأشراط لكن بعض هذا الترتيب تطمئن إليه النفس وبعضها ليس كذلك. والترتيب لا يهمنا ، وإنما يهمنا أن للساعة علامات عظيمة إذا وقعت فإن الساعة تكون قد قربت ، وقد جعل الله للساعة أشراطاً ؛ لأنها حدث هام يحتاج الناس إلى تنبيههم لقرب حدوثه. ولا ندري هل تشعر البهائم بذلك ، ولكن البهائم تبعث يوم القيامة وتحشر ويقتص من بعضها لبعض فيقتص للشاة الجلحاء من القرناء.
( 138) سئل فضيلة الشيخ: عن أحاديث خروج المهدي هل هي صحيحة أو لا؟ فأجاب بقوله: أحاديث المهدي تنقسم إلى أربعة أقسام: القسم الأول: أحاديث مكذوبة. القسم الثاني: أحاديث ضعيفة. القسم الثالث: أحاديث حسنة لكنها بمجوعها تصل إلى درجة الصحة ، على أنها صحيح لغيره. وقال بعض العلماء :إن فيها ما هو صحيح لذاته وهذا هو القسم الرابع. ولكنه ليس المهدي : المزعوم الذي يقال : إنه في سرداب في العراق، فإن هذا لا أصل له وهو خرافة ولا حقيقة له ، ولكن المهدي الذي جاءت الأحاديث بإثباته رجل كغيره من بني آدم يخلق ويولد في وقته ويخرج إلى الناس في وقته ، فهذه هي قصة المهدي، وإنكاره مطلقاً خطأ، وإثباته مطلقاً خطأ، كيف ذلك؟ إثباته على وجه يشمل المهدي المنتظر الذي يقال : إنه في السرداب هذا خطأ ؛ لأن اعتقاد هذا المهدي المختفي خبل في العقل ، وضلال في الشرع وليس له أصل ، وإثبات المهدي الذي أخبر به النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وتكاثرت فيه الأحاديث والذي سيولد في وقته ويخرج في وقته هذا حق. ( 139) وسئل فضيلة الشيخ: من هم يأجوج ومأجوج؟ فأجاب- حفظه الله تعالى - بقوله: يأجوج ومأجوج أمتان من بني آدم موجودتان ، قال الله تعالى في قصة ذي القرنين: ويقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : (140 ) وسئل فضيلة الشيخ عن الدجال ؟ ولماذا حذر الأنبياء أقوامهم منه مع أنه لا يخرج إلا في آخر الزمان؟ فأجاب قائلاً: أعظم فتنة على وجه الأرض منذ خلق آدم إلى قيام الساعة هي فتنة الدجال كما قال ذلك النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولهذا ما من نبي من نوح إلى محمد ، صلوات الله عليهم وسلامه ، إلا أنذر قومه به تنويهاً بشأنه ، وتعظيماً له ، وتحذيراً منه، وإلا فإن الله يعلم أنه لن يخرج إلا في آخر الزمان ، ولكن أمر الرسل أن ينذروا قومهم إياه من أجل أن تتبين عظمته وفداحته ، وقد صح ذلك عن النبي ، عليه الصلاة والسلام، وقال: فهذا الدجال شأنه عظيم بل هو أعظم فتنة كما جاء في الحديث منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة، فكان حريّاً بأن يخص من بين فتن المحيا بالتعوذ من فتنته في الصلاة وأما الدجال فهو مأخوذ من الدجل وهوالتمويه،لأن هذا مموه بل أعظم مموه وأشد الناس دجلاً. (141) وسئل فضيلته: عن وقت خروج المسيح الدجال؟ فأجاب بقوله: خروج المسيح الدجال من علامات الساعة ولكنه غير محدد ، لأنه لا يعلم متى تكون الساعة إلا الله فكذلك أشراطها ما نعلم منها إلا ما ظهر ، فوقت خروجه غير معلوم لنا لكننا نعلم أنه من أشراط الساعة. ( 142) وسئل عن مكان خروج الدجال؟ فأجاب بقوله: يخرج من المشرق من جهة الفتن والشر كما قال النبي ، صلى الله عليه وسلم : "الفتنة هاهنا" وأشار إلى المشرق ، فالمشرق منبع الشر والفتن يخرج من المشرق من خراسان مارّاً بأصفهان داخلاً الجزيرة من بين الشام والعراق ليس له هم إلا المدينة ، لأن فيها البشير النذير ، عليه الصلاة والسلام ، فيحب أن يقضي على أهل المدينة ، ولكنها محرمة عليه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم :
( 143) وسئل عن: دعوة الدجال وما يدعو إليه؟ فأجاب بقوله: ذكر أنه أول ما يخرج يدعو إلى الإسلام ويقول : إنه مسلم ، وينافح عن الإسلام ، ثم بعد ذلك يدعي النبوة وأنه نبي ، ثم بعد ذلك يدعي أنه إله فهذه دعوته نهايتها بداية فرعون وهي ادعاء الربوبية.
( 144) وسئل عن : فتنة الدجال؟ فأجاب بقوله: من حكمة الله- عز وجل أنه - سبحانه وتعالى يعطي الدجال آيات فيها فتن عظيمة فإنه يأتي إلى القوم يدعوهم فيتبعونه فيصبحون وقد نبتت أراضيهم ، وشبعت مواشيهم فتعود إليهم أطول ما كانت ذراً وأسبغ ضروعاً ، وأمد خواصر يعني أنهم يعيشون برغد لأنهم اتبعوه. ويأتي القوم فيدعوهم فلا يتبعونه فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ، وهذه فتنة عظيمة لا سيما في الأعراب ، ويمر بالخربة فيقول : أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه كيعاسيب النحل من ذهب وفضة وغيرها بدون آلات وبدون أي شيء ، فتنة من الله - عز وجل- فهذه حاله ومعاملته مع أهل الدنيا لمن يريد التمتع بالدنيا أو يبأس فيها. ومن فتنته أن الله - تعالى - جعل معه جنة وناراً بحسب رؤيا العين لكن جنته نار ، وناره جنة ، فمن أطاعه أدخل هذه الجنة فيما يرى الناس ولكنها نار محرقة والعياذ بالله ، ومن عصاه أدخله النار فيما يراه الناس ولكنها جنة وماء عذب طيب. إذاً يحتاج الأمر إلى تثبيت من الله - عز وجل - إن لم يثبت الله المرء هلك وضل فيحتاج إلى أن يثبت الله المرء على دينه ثباتاً قوياً. ومن فتنته أنه يخرج إليه رجل من الناس ممتلئ شباباً فيقول له: أنت الدجال الذي ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيدعوه فيأبى أن يتبعه فيضربه ويشجه في المرة الأولى ثم يقتله ويقطعه قطعتين ويمشي بينهما تحقيقاً للمباينة بينهما، ثم يدعوه فيقوم يتهلل وجهه ، ويقول : أنت الدجال الذي ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يأتي ليقتله فلا يسلط عليه يعجز عن قتله ولن يسلط على أحد بعده، فهذا من أعظم الناس شهادة عند الله لأنه في هذا المقام العظيم الرهيب الذي لا نتصوره نحن في هذا المكان لا يتصور رهبته إلا من باشره ومع ذلك يصرح على الملأ إعذاراً وإنذاراً بأنك أنت الدجال الذي ذكر لنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم. ، هذه حاله وما يدعو إليه. ( 145) وسئل فضيلته: عن مقدار لبث الدجال في الأرض؟ فأجاب بقوله: مقدار لبثه في الأرض: أربعون يوماً فقط، لكن يوم كسنة ، ويوم كشهر، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامنا ، هكذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الصحابة - رضي الله عنهم: يا رسول الله هذا اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم واحد ؟ قال : على كل حال ، أقول : إن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، أخبر أن الدجال يبقى أربعين يوماً وبعد الأربعين يوماً ينزل المسيح عيسى بن مريم الذي رفعه الله إليه وقد جاء في الأحاديث الصحيحة ( 146) وسئل فضيلة الشيخ : هل الدجال من بني آدم ؟ فأجاب قائلاً: الدجال من بني آدم . وبعض العلماء يقول : إنه شيطان. وبعضهم يقول : إن أباه إنسيّ وأمه جنية ، وهذه الأقوال ليست صحيحة ، فالذي يظهر أن الدجال من بني آدم ، وأنه يحتاج إلى الأكل والشرب وغير ذلك ، ولهذا يقتله عيسى قتلاً عادياً كما يقتل البشر. ( 147) وسئل فضيلته: هل الدجال موجود الآن؟ فأجاب بقوله: الدجال غير موجود لأن الرسول ، صلى الله عليه وسلم خطب الناس في آخر حياته وقال : ( 148) سئل فضيلة الشيخ: ذكرتم في الفتوى السابقة رقم "147" أن الدجال غير موجود الآن وهذا الكلام ظاهره يتعارض مع حديث فاطمة بنت قيس في الصحيح عن قصة تميم الداري فنرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح ذلك؟ فأجاب بقوله: ذكرنا هذا مستدلين بما ثبت في الصحيحين عن النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : ( 149) وسئل فضيلته : عن قول بعض أهل العلم : إن الرسل الذين أنذروا أقوامهم الدجال لم ينذروهم بعينه وإنما أنذروهم بجنس فتنته؟ فأجاب بقوله: هذا القول الضعيف ، بل هو نوع من التحريف لأن الرسول ، صلى الله عليه وسلم، أخبر بأنه ما من نبي إلا أنذر به قومه بعينه كما في صحيح مسلم أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : فالدجال المعين لا شك أن فتنته أعظم شيء يكون ، لكن هناك دجاجلة يدجلون على الناس ويموهون عليهم ، فيجب الحذر منهم ، ومعرفة إراداتهم ونياتهم ، ولهذا قال الله تعالى في المنافقين: فهؤلاء الذين يزينون للناس بأساليب القول سواء في العقيدة ، أو في السلوك ، أو في المنهج يجب الحذر منهم ، وأن تعرض أقوالهم ، وأفعالهم على كتاب الله وسنة رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، فما خالفهما فهو باطل مهما كان ، ولا تقولن : إن هؤلاء القوم أعطوا فصاحة وبياناً لينصروا الحق ، فإن الله تعالى قد يبتلي فيعطي الإنسان فصاحة وبياناً وإن كان على باطل كما ابتلى الله الناس بالدجال وهو على باطل بلا شك.
( 150) سئل فضيلة الشيخ : عن حكم من أنكر حياة الآخرة وزعم أن ذلك من خرافات القرون الوسطى؟ وكيف يمكن إقناع هؤلاء المنكرين؟ فأجاب بقوله : من أنكر حياة الآخرة ، وزعم أن ذلك من خرافات القرون الوسطى فهو كافر، لقول الله -تعالى -: وأما إقناع هؤلاء المنكرين فبما يأتي: أولاً: أن أمر البعث تواتر به النقل عن الأنبياء والمرسلين في الكتب الإلهية، والشرائع السماوية، وتلقته أممهم بالقبول ، فكيف تنكرونه وأنتم تصدقون بما ينقل إليكم عن فيلسوف أو صاحب مبدأ أو فكرة ، وإن لم يبلغ ما بلغه الخبر عن البعث لا في وسيلة النقل ، ولا في شهادة الواقع؟!! ثانياً: أن أمر البعث قد شهد العقل بإمكانه ، وذلك من وجوه: 1- 1- كل أحد لا ينكر أن يكون مخلوقاً بعد العدم ، وأنه حادث بعد أن لم يكن ، فالذي خلقه وأحدثه بعد أن لم يكن قادر على إعادته بالأولى ، كما قال الله - تعالى - : 2- 2- كل أحد لا ينكر عظمة خلق السموات والأرض لكبرهما وبديع صنعتهما ، فالذي خلقهم قادر على خلق الناس وإعادتهم بالأولى ؛ قال الله تعالى : 3- 3- كل ذي بصر يشاهد الأرض مجدبة ميتة النبات ، فإذا نزل المطر عليها أخصبت وحيي نباتها بعد الموت ، والقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى وبعثهم ،قال الله تعالى: ثالثاً : أن أمر البعث قد شهد الحس والواقع بإمكانه فيما أخبرنا الله تعالى به من وقائع إحياء الموتى ، وقد ذكر الله تعالى من ذلك في سورة البقرة خمس حوادث منها ، قوله رابعاً: أن الحكمة تقتضي البعث بعد الموت لتجازى كل نفس بما كسبت ، ولولا ذلك لكان خلق الناس عبثاً لا قيمة له ، ولا حكمة منه ، ولم يكن بين الإنسان وبين البهائم فرق في هذه الحياة . قال الله - تعالى - : فإذا بينت هذه البراهين لمنكري البعث و أصروا على إنكارهم،فهم مكابرون معاندون، ( 151) وسئل فضيلة الشيخ : هل عذاب القبر على البدن أو على الروح؟ فأجاب بقوله: الأصل أنه على الروح لأن الحكم بعد الموت للروح ، والبدن جثة هامدة ، ولهذا لا يحتاج البدن إلى إمداد لبقائه ، فلا يأكل ولا يشرب ، بل تأكله الهوام ، فالأصل أنه على الروح لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إن الروح قد تتصل بالبدن فيعذب أو ينعم معها، وأن لأهل السنة قولاً آخر بأن العذاب أو النعيم يكون للبدن دون الروح واعتمدوا في ذلك على أن هذا قد رئي حسّاً في القبر فقد فتحت بعض القبور ورئي أثر العذاب على الجسم ، وفتحت بعض القبور ورئي أثر النعيم على الجسم. وقد حدثني بعض الناس أنهم في هذا البلد هنا في عنيزة كانوا يحفرون لسور البلد الخارجي، فمروا على قبر فانفتح اللحد فوجد فيه ميت أكلت كفنه الأرض وبقي جسمه يابساً لكن لم تأكل منه شيئاً حتى إنهم قالوا : إنهم رأوا لحيته وفيها الحنا وفاح عليهم رائحة كأطيب ما يكون من المسك،فتوقفوا وذهبوا إلى الشيخ وسألوه فقال : دعوه على ما هو عليه واجنبوا عنه ، احفروا من يمين أو من يسار. فبناء على ذلك قال العلماء : إن الروح قد تتصل في البدن فيكون العذاب على هذا وهذا ، وربما يستأنس لذلك بالحديث الذي قال فيه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( 152) وسئل فضيلة الشيخ : ما المراد بالقبر هل هو مدفن الميت أو البرزخ؟ فأجاب: أصل القبر مدفن الميت قال الله -تعالى -: ولكن هل الداعي إذا دعا "أعوذ بالله من عذاب القبر" يريد عذاب مدفن الموتى ، أو من عذاب البرزخ الذي بين موته وبين قيام الساعة؟ الجواب: يريد الثاني لأن الإنسان في الحقيقة لا يدري هل يموت ويدفن أو يموت وتأكله السباع ، أو يحترق ويكون رماداً ما يدري ( 153) وسئل فضيلته : هل عذاب القبر ثابت؟ فأجاب بقوله : عذاب القبر ثابت بصريح السنة وظاهر القرآن وإجماع المسلمين هذه ثلاثة أدلة: أما صريح السنة فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: وأما إجماع المسلمين فلأن جميع المسلمين يقول :ون في صلاتهم : (أعوذ بالله من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر) حتى العامة الذين ليسوا من أهل الإجماع ولا من العلماء. وأما ظاهر القرآن فمثل قوله-تعالى-في آل فرعون : إذاً فعذاب القبر ثابت بصريح السنة ، وظاهر القرآن ، وإجماع المسلمين ، وهذا الظاهر من القرآن يكاد يكون كالصريح لأن الآيتين اللتين ذكرناهما كالصريح في ذلك.
( 154) وسئل فضيلته : هل عذاب القبر يشمل المؤمن العاصي أو هو خاص بالكفار؟ فأجاب فضيلته: عذاب القبر المستمر يكون للمنافق والكافر . وأما المؤمن العاصي فإنه قد يعذب في قبره لأنه ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي، صلى الله عليه وسلم ، مر بقبرين فقال:
( 155) وسئل الشيخ: إذا لم يدفن الميت فأكلته السباع أو ذرته الرياح فهل يعذب عذاب القبر؟ فأجاب قائلاً: نعم ويكون العذاب على الروح ، لأن الجسد قد زال وتلف وفني ، وإن كان هذا أمراً غيبياً لا أستطيع أن أجزم بأن البدن لا يناله من هذا العذاب ولو كان قد فني واحترق لأن الأمر الأخروي لا يستطيع الإنسان أن يقيسه على المشاهد في الدنيا.
( 156) سئل فضيلة الشيخ: كيف نجيب من ينكر عذاب القبر ويحتج بأنه لو كشف القبر لوجد لم يتغير ولم يضق ولم يتسع؟ فأجاب - حفظه الله -بقوله : يجاب من أنكر عذاب القبر بحجة أنه لو كشف القبر لوجد أنه لم يتغير بعدة أجوبة منها: أولاً: أن عذاب القبر ثابت بالشرع قال الله تعالى في آل فرعون : ثانياً: أن عذاب القبر على الروح في الأصل، وليس أمراً محسوساً على البدن فلو كان أمراً محسوساً على البدن لم يكن من الإيمان بالغيب ولم يكن للإيمان به فائدة لكنه من أمور الغيب، وأحوال البرزخ لا تقاس بأحوال الدنيا. ثالثاً : أن العذاب والنعيم وسعة القبر وضيقه ، إنما يدركه الميت دون غيره والإنسان قد يرى في المنام وهو نائم على فراشه أنه قائم وذاهب وراجع، وضارب ومضروب ، ويرى أنه في مكان ضيق موحش ، أو في مكان واسع بهيج ، والذي حوله لا يرى ذلك ولا يشعر به. والواجب على الإنسان في مثل هذه الأمور أن يقول : سمعنا وأطعنا، وآمنا وصدقنا. ( 157) وسئل فضيلته: هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟ فأجاب بقوله: أما إن كان الإنسان كافراً والعياذ بالله فإنه لا طريق إلى وصول النعيم إليه أبداً ويكون عذابه مستمراً. وأما إن كان عاصياً وهو مؤمن ، فإنه إذا عذب في قبره يعذب بقدر ذنوبه وربما يكون عذاب ذنوبه أقل من البرزخ الذي بين موته وقيام الساعة وحينئذٍ يكون منقطعاً. ( 158) وسئل فضيلة الشيخ: هل يخفف عذاب القبر عن المؤمن العاصي؟ فأجاب قائلاً : نعم قد يخفف لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، مر بقبرين فقال: 1- 1- قيل: لأنهما أي الجريدتين تسبحان ما لم تيبسا، والتسبيح يخفف من العذاب على الميت ، وقد فرعوا على هذه العلة المستنبطة - التي قد تكون مستبعدة -أنه يسن للإنسان أن يذهب إلى القبور ويسبح عندها من أجل أن يخفف عنها. 2- 2- وقال بعض العلماء : هذا التعليل ضعيف لأن الجريدتين تسبحان سواء كانتا رطبتين أم يابستين لقوله تعالى- : العلة : أن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ترجى من الله عز وجل أن يخفف عنهما من العذاب ما دامت هاتان الجريدتان رطبتين ، يعني أن المدة ليست طويلة وذلك من أجل التحذير عن فعلهما، لأن فعلهما كبير كما جاء في الرواية (بلى إنه كبير) أحدهما لا يستبرئ من البول، وإذا لم يستبرئ من البول صلى بغير طهارة ، والآخر يمشي بالنميمة يفسد بين عباد الله والعياذ بالله ويلقي بينهم العداوة ، والبغضاء ، فالأمر كبير ، وهذا هو الأقرب أنها شفاعة مؤقتة تحذيراً للأمة لا بخلاً من الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، بالشفاعة الدائمة. ونقول استطراداً : إن بعض العلماء -عفا الله عنهم - قالوا : يسن أن يضع الإنسان جريدة رطبة ، أو شجرة ، أو نحوها على القبر ليخفف عنه ، لكن هذا الاستنباط بعيد جداً ولا يجوز أن نصنع ذلك لأمور: أولاً: أننا لم يكشف لنا أن هذا الرجل يعذب بخلاف النبي، صلى الله عليه وسلم. ثانياً: أننا إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الميت ، لأننا ظننا به ظن سوء أنه يعذب وما يدرينا فلعله ينعم، لعل هذا الميت ممن مَنَّ الله عليه بالمغفرة قبل موته لوجود سبب من أسباب المغفرة الكثيرة فمات وقد عفا رب العباد عنه ، وحينئذ لا يستحق عذاباً. ثالثاً: أن هذا الاستنباط مخالف لما كان عليه السلف الصالح الذين هم أعلم الناس بشريعة الله فما فعل هذا أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - فما بالنا نحن نفعله. رابعاً: أن الله تعالى قد فتح لنا ماهو خير منه فكان النبي ، عليه الصلاة والسلام ، إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: ( 159) وسئل فضيلته : هل عذاب القبر من أمور الغيب أو من أمور الشهادة؟ فأجاب قائلاً: عذاب القبر من أمور الغيب ، وكم من إنسان في هذه المقابر يعذب ونحن لا نشعر به ، وكم جار له منعم مفتوح له باب إلى الجنة ونحن لا نشعر به، فما تحت القبور لا يعلمه إلا علام الغيوب ، فشأن عذاب القبر من أمور الغيب ، ولولا الوحي الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ، ما علمنا عنه شيئاً ، ولهذا لما دخلت امرأة يهودية إلى عائشة وأخبرتها أن الميت يعذب في قبره فزعت حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخبرته وأقر ذلك عليه الصلاة والسلام ، ولكن قد يطلع الله تعالى عليه من شاء من عباده ، مثل ما أطلع نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، على الرجلين اللذين يعذبان ، أحدهما يمشي بالنميمة ، والآخر لا يستنزه من البول. والحكمة من جعله من أمور الغيب هي: أولاً: أن الله - سبحانه وتعالى - أرحم الراحمين فلو كنا نطلع على عذاب القبور لتنكد عيشنا، لأن الإنسان إذا أطلع على أن أباه ، أو أخاه ، أو ابنه ، أو زوجه ، أو قريبه يعذب في القبر ولا يستطيع فكاكه، فإنه يقلق ولا يستريح وهذه من نعمة الله -سبحانه- . ثانياً : أنه فضيحة للميت فلو كان هذا الميت قد ستر الله عليه ولم نعلم عن ذنوبه بينه وبين ربه -عز وجل- ثم مات وأطلعنا الله على عذابه، صار في ذلك فضيحة عظيمة له ففي ستره رحمة من الله بالميت. ثالثاً : أنه قد يصعب على الإنسان دفن الميت كما جاء عن النبي،عليه الصلاة والسلام : رابعاً: أنه لو كان ظاهراً لم يكن للإيمان به مزية لأنه يكون مشاهداً لا يمكن إنكاره ، ثم إنه قد يحمل الناس على أن يؤمنوا كلهم لقوله تعالى: نسأل الله لنا ولكم الثبات ، فخبر الله بهذه الأمور أقوى من المشاهدة ، مع ما في الستر من المصالح العظيمة للخلق. ( 160) وسئل فضيلته : هل سؤال الميت في قبره حقيقي وأنه يجلس في قبره ويناقش؟ فأجاب فضيلته بقوله : سؤال الميت في قبره حقيقي بلا شك والإنسان في قبره يجلس ويناقش ويسأل . فإن قال قائل : إن القبر ضيق فكيف يجلس ؟! فالجواب: أولاً: أن الواجب على المؤمن في الأمور الغيبية أن يقبل ويصدق، ولا يسأل كيف؟ ولم؟ لأنه لا يسأل عن كيف ولم إلا من شك ، وأما من آمن وانشرح صدره لأخبار الله ورسوله، فيسلم ويقول : الله أعلم في بكيفية ذلك . ثانياً: أن تعلق الروح بالبدن في الموت ليس كتعلقها به في حال الحياة، فللروح مع البدن شؤون عظيمة لا يدركها الإنسان ، وتعلقها بالبدن بعد الموت لا يمكن أن يقاس بتعلقها به في حال الحياة ، وها هو الإنسان في منامه يرى أنه ذهب ، وجاء ، وسافر ، وكلم أناساً ، والتقى بأناس أحياء وأموات ، ويرى أن له بستاناً جميلاً ، أو داراً موحشة مظلمة ، ويرى أنه راكب على سيارة مريحة ، ويرى مرة أنه راكب على سيارة مقلقة كل هذا يمكن مع أن الإنسان على فراشه ما تغير حتى الغطاء الذي عليه لم يتغير ومع ذلك فإننا نحس بهذا إحساساً ظاهراً ، فتعلق الروح بالبدن بعد الموت يخالف تعلقها به في اليقظة أو في المنام ولها شأن آخر لا ندركه نحن، فالإنسان يمكن أن يجلس في قبره ويسأل ولو كان القبر محدوداً ضيقاً. هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فمنه البلاغ ، وعلينا التصديق والإذعان قال الله تعالى: ( 161) سئل فضيلة الشيخ: كيف تدنو الشمس يوم القيامة من الخلائق مقدار ميل ولا تحرقهم وهي لو دنت عما هي عليه الآن بمقدار شبر واحد لاحترقت الأرض؟ فأجاب بقوله : إن وظيفة المؤمن - وهذه قاعدة يجب أن تبنى عليها عقيدتنا - فيما ورد من أخبار الغيب القبول والتسليم وأن لا يسأل عن كيف؟ ولم؟ لأن هذا أمر فوق ما تتصوره أنت، فالواجب عليك أن تقبل وتسلم وتقول : آمنا وصدقنا ، آمنا بأن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بمقدار ميل ، وما زاد على ذلك من الإيرادات فهو من البدع ، ولهذا لما سئل الإمام مالك- رحمه الله - عن استواء الله كيف استوى؟ قال : (السؤال عنه بدعة) هكذا أيضاً كل أمور الغيب السؤال عنها بدعة وموقف الإنسان منها القبول والتسليم. جواب الشق الثاني بالنسبة لدنو الشمس من الخلائق يوم القيامة فإننا نقول: إن الأجسام تبعث يوم القيامة لا على الصفة التي عليها في الدنيا من النقص وعدم التحمل بل هي تبعث بعثاً كاملاً تاماً ، ولهذا يقف الناس يوم القيامة يوماً مقداره خمسون ألف سنة لا يأكلون ولا يشربون ، وهذا أمر لا يحتمل في الدنيا ، فتدنو الشمس منهم وأجسامهم قد أعطيت من القوة ما يتحمل دنوها ، ومن ذلك ما ذكرناه من الوقوف خمسين ألف سنة لا يحتاجون إلى طعام ولا شراب ، فالأجسام يوم القيامة لها شأن آخر غير شأنها في هذه الدنيا.
(162) سئل فضيلة الشيخ : قلتم في الفتوى السابقة رقم "161" : إن الأجسام تبعث يوم القيامة لا على الصفة التي هي عليها في الدنيا، والله - عز وجل - يقول: فأجاب فضيلته : هذا لا يشكل على ما قلنا ؛ لأن المراد بقوله:
( 163) سئل فضيلة الشيخ : كيف نجمع بين قول النبي ، صلى الله عليه وسلم :
فأجاب رعاه الله وحفظه بقوله: ليس في هذا إشكال لأن المناقشة معناها أن يحاسب فيطالب بهذه النعم التي أعطاه الله إياها ، لأن الحساب الذي فيه المناقشة معناه أنك كما تأخذ تعطي ، ولكن حساب الله لعبده المؤمن يوم القيامة ليس على هذا الوجه ، بل إنه مجرد فضل من الله - تعالى - إذا قرره بذنوبه وأقر واعترف قال:
|